يرى الطفل ذو الخمس سنوات أبيه وهو قادم من بعيد.. الأب كان مشغولا كعادته يتحدث في المحمول.. لم ينتبه للصغير إلا وهو يرتطم به بعد أن تعثر على بعد خطوة من أبيه.. صفعه أبوه على خده ونظر له بغضب ثم قال: مش تفتح هل أنت أعمى؟ نظر الولد إلى أبيه مذهولا لا يفهم ثم إنصرف مكسورا، وعاد أبوه ليكمل صفقته المهمة في الهاتف.
= أحمد طفل لا يتجاوز عمره العاشرة.. ينهي دراسته ثم يذهب إلى محل البقالة الذي يمتلكه أبوه ليساعده.. الولد كان يحب هذا ويستمتع به كثيرا.
أتى زبون في يوم ليشتري سلعة ما.. السعر المحدد للسلعة عشر جنيهات.. عرض الرجل على أحمد أن يشتري عشر قطع من السلعة، على أن يكون السعر هو تسعة جنيهات للقطعة، وافق أحمد بعد أن هداه عقله الصغير إلى أن هذا سيسعد أباه.
جاء الأب فحكى له أحمد وهو سعيد.. لكن صرخة أبيه أخرسته، وليته إكتفى بالصراخ.. لقد قام إليه وسحبه إلى الشارع وإنهال عليه ضربا بالحذاء وهو يقول: خربت بيتي يا ابن ال....
حاول الناس تهدئة الأب الثائر على الصغير الذي إستطاع الهرب من بين يدي أبيه بصعوبة شديدة.
= عبد الرحمن في الصف الخامس الابتدائي كثيرا ما يتشاجر مع أصحابه.. كل يوم تقريبا يأتي إلى البيت يبكي.
قال له أبوه مغضبا: من يضربك إضربه، خذ حقك بيدك، إياك أن تأتي للبيت بعد هذا وأنت تبكي.
بعد فترة ليست بالطويلة سمع الجميع صراخا من الشارع، عبد الرحمن ضرب صديقه بشفرة حلاقة كان يخبئها معه، العجيب أن والده لم يكن غاضبا ولا نادما.. بل هو يعتقد أن ابنه قد صار رجلا.
هذا الوالد لا يقبل نصح من أحد أبدا.. كثيرون قالوا له: إن عبد الرحمن بدأ يدخن!! كان يقول لهم: أنا الذي أعطيه المال ليشتري به ما يريد.
عبد الرحمن الآن يفعل كل شئ.. بدء من البانجو إلى ما لا يصح أن يقال.
= طفل صغير في الخامسة من عمره.. أول يوم يدخل فيه المسجد عندما ذهب في صحبة أخيه ذي التسعة أعوام..
أخوه هذا مع أصحابه يقومون بدور الشياطين التي تلعب خلف المصلين حتى لا يصل أحدهم للخشوع أبدا.
المهم أن هذا يضايق الكثيرين ويصل بالبعض لحد الجنون.
قام أحد هؤلاء بعد إنتهاء الصلاة وأمسك عصاه وجرى خلف الأطفال.. جرى الأطفال إلى خارج المسجد وهم يصرخون.. أصيب الصغير ذو الخمس سنوات بالفزع، ولم يحاول أن يكرر تجربة الذهاب للمسجد بعد هذا.. بل أصبح ذكر إسم المسجد يصيبه بالفزع.
¤ في الحقيقة المواقف كثيرة، والأخطاء التربوية كثيرة:
هناك هذا الوالد الذي يتتبع ابنه في كل تحركاته حتى لم يعد هناك مجال للولد أن يتنفس.
وهناك هذه الهدية المستحيلة التي يحلم بها الفتى ولم يرها أبدا والتي كثيرا ما يعده بها أبواه.
وهناك من جعل بيته مكانا لتنفيس شحنة الغضب التي يكبتها طوال يومه.
وهناك وهناك.
في الحقيقة أن الأطباء النفسيين حاليا لا يعتقدون كثيرا في الحدث الواحد الذي يترك أثرا ممتدا أو يحدث تغيرا في تركيب الشخصية.. ومع أني لست طبيبا نفسيا إلا أني أجزم أن بعض هذه الأحداث تترك أثرا عميقا في النفس.
أستطيع بفضل الله أن أربط جيدا بين الفعل ورد الفعل!
فأنا أعلم جيدا أن شخصية أحمد الإنطوائية التي لا تحب الجلوس مع الناس وتنفر منهم سريعا.. سببها هذه العلقة التي إمتهنت فيها كرامته وهو صغير أمام الناس.
وأعلم جيدا أن هذه الشخصية القاسية التي أراها إنما رسمت معالم قسوتها على خده بعد الصفعة التي قابله بها أبوه العائد من العمل، أو بسبب هذا الوالد الذي جعل بيته مكانا لتنفيس شحنة الغضب التي يجمعها طوال اليوم.
وأعلم أن الصغير الذي رأى العصا في المسجد سيظل فترة غير معلومة الأمد يكره المسجد دون أن يعلم لهذا سببا.
أما قديما.. فعندما مر أحد متفرسي العرب ورأى معاوية بن أبي سفيان وهو يلعب مع أقرانه، قال: إني لأظن هذا الغلام سيسود قومه.
فقالت هند -أم معاوية: ثَكِلتُهُ إن كان لا يسود إلا قومه.
محمد الفاتح كانت أمه دائما تحدثه عن هذا الأمير الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم والذي سيفتح الله على يديه قسطنطينية.
الإمام الشافعي الذي قالت له أمه: قد نذرتك للعلم لعل الله يجمع بك الأمة.. فكان هو الشافعي الإمام.
* حتى الأعداء يحسنون تربية أولادهم:
قبل قيام دولة إسرائيل كانت الأمهات يعلمن الأطفال اليهود ضرورة التبرع بجزء من المصروف من أجل قيام الدولة، وكان يوجد في كل بيت صندوق صغير اسمه الصندوق الأزرق يضع به الطفل جزءا من مصروفه يوميا.
والســــؤال:
هل يحسن الوالدان تربية أبنائهم اليوم؟! وهل لاحظتم أهمية الأم التي تستطيع التربية؟ وهل للمؤتمرات التي تحاول إفساد المرأة علاقة بهذا؟ هل شبابنا يستطيع حقا أن يختار الزوجة التي تصلح أما؟ هل يخطر أصلا على بال الشباب اليوم مثل هذه الأمور عن تربية الأبناء؟
إســـتطراد:
أعرف أبا لا زال يبدي حتى اليوم ندمه على زواجه ممن تزوج بها، وتراه يسدي النصائح لكل من يعرف: عليك أن تنتقي أما تصلح لتربية أولادك.. تمهل ولا تتسرع.. فالرجل لا يجلس في بيته ليتمكن من متابعة أبنائه وتربيتهم كما يريد.. عليك إذَا أن تحسن إختيار من تحسن التربية.
المصدر: موقع إسلام ويب.